جنيف- قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن التفجيرات التي هزت مدناً في تركيا ومصر والعراق خلال الأيام القليلة الماضية، هي تذكيرٌ صارخٌ بأن الإرهاب ظاهرة متنامية تستهدف الأشخاص من كافة الأديان والثقافات والأعراق، ولا تميز بين طائفة وأخرى أو لون وآخر، مبيناً أن الرد على ذلك ينبغي أن يتميز بالوحدة والتكاتف المجتمعي والرسمي، لا التفرقة وشيطنة الآخر ومعالجة الجذور الأمنية للمشكلة دون الالتفات لأسبابها الاجتماعية.
وقالت بام بيلي، السكرتير العام للمرصد الأورومتوسطي: "ما نحتاجه فعلاً هو استراتيجية موحدة تركز على الأسباب الجذرية لحوادث العنف والإرهاب وعلى تحصين المجتمع المدني، بدلاً من دعوات الثأر التي يطلقها المسؤولون الحكوميّون في الدول المستهدفة". وتابعت "ما يجلبه الثأر علينا: دائرة عنفٍ لا تنتهي. ما تعيشه تلك الدول في الوقت الحالي هو عقليّة "العين بالعين" التي تعزز الأنظمة الديكتاتورية، والتي أشعلت الاضطرابات ابتداءً فيها".
وأوضح الأورومتوسطي أنه وفي يومٍ واحد فقط، الحادي عشر من ديسمبر(كانون الأول)، استهدفت الهجمات الإرهابية ثلاث دول، ففي تركيا، تبنى فرعٌ عن حزب العمال الكردستاني المسؤولية عن تفجيرين أدى كلاهما إلى مقتل 38 شخصاً وجرح 155 آخرين خارج ملعب كرة قدم في إسطنبول. وفي إطار رده على هذا الفعل الشنيع، قال وزير الداخلية سليمان صويلو، "سنثأر عاجلاً أم آجلاً. لن نترك هذا الدم مهدوراً على الأرض، مهما كلفنا ذلك". غير أن أحداً لم ينظر إلى جذور المشكلة، وإشكاليات الأزمة مع الحركة القومية الكردية، والتي أدت إلى مقتل 45 ألفاً منذ عام 1984. لا شيء يبرر الإرهاب، إلا أن معالجة المشكلة ينبغي أن تطال جذورها لا ظواهرها فقط.
وفي جمهورية مصر العربية أدى انفجار قنبلة في كنيسة بالقاهرة بالقرب من الكنيسة الكاتدرائية المسيحية الرئيسية إلى مقتل 25 شخصاً على الأقل وإصابة ما لا يقل عن 49 آخرين، ولم تعلن حتى الآن أي جهة مسؤوليتها عن هذا العمل.
عقب هذا الهجوم حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بيان له أن رد الحكومة على ذلك سيكون قاسٍ. وسرعان ما أعرب وزراء الخارجية الفرنسي والألماني عن دعم بلادهم لمصر في حربها ضد الإرهاب على الرغم من بيان السيسي بالقيام بسلسلة من الأعمال الانتقامية الصارمة ضد المعارضة. مواجهة الإرهاب والوقوف مع الحكومة المصرية في حربها ضده هو واجب الوقت، غير أن أحداً لا يذكر أيضاً وفي مقابل ذلك، التعامل العنيف وانتهاكات حقوق الإنسان غير المسبوقة التي تمارسها الحكومة المصرية مع المعارضة السياسية في البلاد.
وفي العراق أصيب قائد عسكري وقتل أحد حراسه عندما أطلق مقاتلو الدولة الإسلامية قذائف هاون على موكبه جنوب الموصل. لم يكن هنالك أي وجود فعلي للدولة الإسلامية أو أي جماعات إرهابية أخرى، مثل تنظيم القاعدة، إلى أن غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق عام 2003. وهذا يعني أن من الأهمية بمكان أن تنظر الحكومات، والمجتمع الدولي ككل، إلى جذور العنف في إطار معالجة ما يمكن أن نسميه، العنف المضاد.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يود أن يغتنم اللحظة الحساسة التي يمر بها المجتمع الدولي في إطار دخوله مرحلة جديدة من مواجهة الإرهاب في أنحاء متفرقة من العالم، ليؤكد على ثابت إنساني وسياسي وحقوقي، وهو أن المجتمعات والأشخاص الأسوياء يرفضون بطبيعتهم التوجه نحو العنف. فيما المجتمعات والأشخاص الذين شعروا بالمظلومية والإهانة على مدى متراكم، هم الأكثر عرضة للاقتناع بالعنف والثأر ما لم يُنصفوا. وهذه مقاربة لا بد للمجتمع الدولي وللحكومات المعنية من أخذها بعين الاعتبار في سياق معالجتها وحربها على الإرهاب.