جنيف- أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء أنه سجّل حالات جرى فيها عرقلة سفر القطريين لممارسة الشعائر الدينية في المملكة العربية السعودية إثر أزمة الأخيرة مع قطر، وهو ما يمثل " انتهاكاً خطيراً يستوجب من السلطات السعودية التحقيق ومساءلة المسؤولين عن هذه الممارسات التي تخالف أساسيات حقوق الإنسان وحرية العبادة وتمثل نوعاً من التمييز غير القانوني".

 

   مسؤولو الخدمات وأماكن العبادة في السعودية يقومون بتسييس بعض الأماكن والشعائر الدينية بشكل غير مباشر، عبر وضع معالم معينة في الأماكن التعبدية وتسميتها بأسماء الملوك السعوديين   

وذكر المرصد الحقوقي الدولي أنه على الرغم من أهمية الأماكن الدينية في السعودية لحوالي 1.6 مليار مسلم يمثّلون 23% من سكان العالم، وسعي السعودية بشكل دائم للتأكيد عبر الإعلام على إبعاد هذه العبادة عن الجوانب السياسية، إلا أن الواقع أظهر أن بعض الممارسات في إدارة الأماكن الدينية ولا سيما في مدينة مكة غرب السعودية لم تخلُ من خلفيات بدا أنها سياسية.

ونبه إلى أن الأزمة الأخيرة في الخليج وإعلان السعودية ودول أخرى مقاطعة قطر وفرض إجراءات حصار عليها منذ مطلع حزيران/يونيو الماضي وحتى الآن "أعطت مثالاً بارزاً على الانتهاكات التي تم رصدها إزاء حرية إقامة الشعائر على مدار الأشهر الماضية".

ولم تصدر السلطات السعودية قرارا صريحا بمنع الحجاج القطريين من أداء مناسك الحج، لكن المرصد الأورومتوسطي أشار إلى أنها اتخذت إجراءات كافية لتقييد الحجاج بحيث تجعل من الصعب عليهم أداء الحج، ورفضت التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية (المعنية بترتيب أمور الحج في قطر) لاستلام قائمة الحجاج وإتمام الإجراءات الخاصة بتيسير مناسكهم وتوفير ضمانات لسلامتهم.

ولفت إلى أن السلطات السعودية استمرت في إغلاق الطرق البرية والجوية في وجه المعنيين بالحج من قطر إلى وقت اكتمل فيه تقريبا وصول الحجيج من كافة دول العالم إلى السعودية، وحينها أعلنت السعودية عن فتح المجال للحجاج القطريين (دون غيرهم من الوافدين المقيمين في قطر حتى لو كان لديهم تصاريح حج)، وحددت الخطوط الجوية السعودية دون غيرها لنقل الحجيج القطريين، مرورًا بمحطات ترانزيت إجبارية، حيث لا يمكن السفر المباشر إلى السعودية من الدوحة.

وأشار الأورومتوسطي إلى أن فريقه قام بمقابلة العديد من شركات الحج والعمرة في قطر، وأفاد مواطنون قطريون كانوا ينوون السفر إلى السعودية بقصد زيارة الأماكن الدينية بأنهم واجهوا العديد من العراقيل التي منعتهم أو صعّبت عليهم إتمام رحلتهم. وقال "عبد الله الكعبي" مدير الدائرة القانونية في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، لفريق المرصد الأورومتوسطي بأن هناك "عراقيل متعمدة واجهت القطريين الذين تمكنوا من الذهاب إلى الحج، بحيث اضطروا للانتظار ساعات عديدة ليتمكنوا من الحصول على الرخص المتعلقة بالحج، على غير المعتاد".

لقاء الأورومتوسطي مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر

 

وبحسب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان فإن السلطات السعودية كانت اتخذت مجموعة من الإجراءات التعسفية بحق القطريين الذين كانوا متواجدين في مكة لتأدية العمرة خلال شهر رمضان الماضي وطالبتهم بمغادرة أراضيها وأجبرتهم على إلغاء حجوزاتهم في الفنادق التي كانوا فيها.

وفي الوقت الحالي، تسمح السلطات السعودية لمن يرغب بأداء العمرة من القطريين بالدخول إلى أراضيها، لكنها تحدد لهم يوماً واحداً فقط للقيام بذلك والعودة فورا من المنفذ الذي دخلوا منه.

وأبرز المرصد الأورومتوسطي أن هذه السياسة لم تكن وليدة الأزمة الخليجية، وإن بدت بشكل أوضح فيها، غير أنه سبق للمملكة السعودية أن مارست هذه السياسة بشكل نسبي في حالات أخرى وعلى إثر مواقف معينة من دول أو جماعات بعينها.

ومن هذه الدول إيران التي لا يكاد يمر موسم للحج إلا ويشهد مناكفات ممزوجة بالخلاف السياسي الطويل بين الدولتين، وسوريا التي تطالب السعودية مواطنيها الراغبين بالحج بالتواصل مع "لجنة الحج العليا السورية" الخاضعة للمعارضة، بما في ذلك أولئك الذين يسكنون في مناطق تخضع لسيطرة النظام، كما سبق منع فلسطينيي سوريا المقيمين في دول عربية من الحج ومُنع حجاج يمنيون من الحوثيين من الحج.

وأشار المرصد الحقوقي في السياق ذاته إلى تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية الذي لفت إلى استخدام السعودية حصص الحجاج وورقة المساعدات المالية للضغط على دول أفريقية ذات أغلبية مسلمة، ومنها نيجيريا، كي تقف إلى جانبها ضد قطر في أزمتها الأخيرة معها.

وذكر المرصد الأورومتوسطي أن السعودية تقوم أحياناً بحرمان المعارضين لسياساتها من التأشيرات لدخول الأراضي السعودية ولو لأداء فريضة الحج أو العمرة، بحيث كانت منعت الداعية الكويتي المعروف طارق السويدان من دخول أراضيها وأداء العمرة أو الحج في العام 2013، فيما بدا أنه بسبب موقفه من الانقلاب العسكري في مصر، كما منعت الشاعر الجزائري محمد جربوعة من الذهاب لتأدية مناسك الحج في عام 2017 بسبب كتاب ألفه بعنوان: "الحج لله وليس لآل سعود"، ثم سمحت له في وقت كاستثناء.

وقال المرصد إن مسؤولي الخدمات وأماكن العبادة في السعودية يقومون بتسييس بعض الأماكن والشعائر الدينية بشكل غير مباشر، عبر وضع معالم معينة في الأماكن التعبدية وتسميتها بأسماء الملوك السعوديين، مشيراً إلى قيام الخطباء في أيام الجمعة وفي خطبة يوم عرفة -وهو أهم يوم لدى المسلمين- بالدعاء بشكل واضح لملك السعودية وابنه (ولي العهد) والعائلة المالكة. وفي هذه السنة، اعتبر الخطيب في يوم عرفة  أن مما يقرب المسلمين إلى ربهم أن يدعو  للملك سلمان -ملك السعودية- ولعائلته.

وأكد المرصد الأورومتوسطي على أن هذه الممارسات بمجملها تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز، مشيرا بهذا الصدد إلى نص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصت على حق كل إنسان في حرية الدين وإقامة الشعائر.

وشدد على عدم وجود ضرورة أمنية تقتضي هذا التضييق والحرمان من الحج أو العمرة سواء للمعارضين السياسيين أو لمواطني دولة بشكل عام بسبب موقف سياسي من الدولة، وهو ما يجعل فعلها انتهاكاً للمادة 1 من الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لعام 1981.

جديرٌ بالذكر أن وفداً من المرصد الأورومتوسطي كان زار مقر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر يوم 14 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، التقى فيها بمدير الدائرة القانونية في اللجنة، وأطلع على بعض ما وثقته اللجنة في هذا الإطار، وتناول الطرفان الانتهاكات التي طالت المدنيين جراء الأزمة بين قطر ودول خليجية أخرى ومنها السعودية.

وأطلعت اللجنة فريق المرصد على الشكاوى التي جمعتها من المواطنين القطريين، حيث تلقت اللجنة 161 شكوى تعلقت بعرقلة السعودية لقطريين أو مقيمين في قطر عن ممارسة شعائرهم الدينية.

وعليه دعا المرصد الحقوقي الدولي السلطات السعودية إلى التحقيق في استخدام الشعائر الدينية على أراضيها لغايات سياسية، والعمل على وقف هذه الممارسات بشكل فوري وإحالة المسؤولين عنها للمساءة القانونية.

كما دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمتابعة هذا الملف، مؤكدا أن على المنظمات الدولية والمقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة السعي لاتخاذ جميع الإجراءات و الخطوات اللازمة لتمكين المواطنين القطريين وغيرهم من حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية كما كفلتها لهم القوانين والأعراف الدولية، و العمل على حظر استعمال الحقوق الأساسية و الحقوق الدينية كأداة للضغط السياسي.

للاطلاع على التقرير كاملًا اضغط هنا