جنيف - قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن القوات العراقية تحتجز مئات العائلات بشكل قسري داخل مخيمات في مناطق مختلفة من العراق، بحجة وجود صلات قرابة لهذه العائلات بعناصر كانوا منتمين لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مشيراً إلى أن هذه العائلات "تعيش في تلك المخيمات أوضاعاً لا إنسانية من غير جريمة ارتكبوها، وهو ما يمثل نوعاً من العقاب الجماعي". 

    عائلات الأفراد الذين كانوا يتنتمون لتنظيم "داعش" تعيش في ظروف سيئة في مراكز احتجاز قسري، وتشتكي من شح الماء والدواء والطعام والرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهرائي بشكل متواصل، وانتشار الكثير من الأمراض كالتيفوئيد والجرَب   

وأضاف المرصد الذي يتخذ من جنيف مقرًا له في بيان صحفي اليوم، أن عائلات العناصر الذين كانوا منتمين لتنظيم الدولة الإسلامية إبان سيطرته على بعض المناطق في العراق أصبحوا ضحية بلا ذنب اقترفوه، بعد أن تمت استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم من قبل الحكومة العراقية، حيث تم تهجيرهم بالقوة وتحت طائلة التهديد بالقتل من قبل عشائر أو على يد ميليشيات الحشد الشعبي، أو بموجب أوامر صدرت عن الحكومات المحلية في المدن التي ينتمون لها، ثم جرى احتجازهم في مخيمات في أوضاع صعبة وقاسية.

وذكر الأورومتوسطي أن هناك أكثر من 20 مدينة جرى فيها تهجير عائلات لعناصر التنظيم وتم احتجازهم في مخيمات، مشيراً إلى أن مخيم الشهامة بمدينة تكريت يضم حالياً أكثر من 100 أسرة قوامها نحو 400 شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، حيث أنشئ المخيم عام 2016 بهدف "إعادة تأهيل عائلات عناصر داعش وأولادهم" بحسب ما أعلنت الحكومة العراقية، فيما يظهر واقع هؤلاء أنهم يعيشون في ظروف سيئة في مراكز احتجاز قسري، إذ تشتكي العائلات من شح الماء والدواء والطعام والرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهرائي بشكل متواصل، وانتشار الكثير من الأمراض كالتيفوئيد والجرَب وغيرها.

وكانت مجموعة من قوات الحشد الشعبي بمشاركة جنود عراقيين قامت بتدمير منازل هذه العائلات ونقلتهم قسرًا إلى هذا المخيم وغيره من المخيمات، بدون أي تهمة تذكر سوى أنهم أقارب لأفراد من تنظيم داعش، فيما هُجرت مئات العائلات بعد تلقّيها رسائل تهديد عبر قصاصات ورقية وزعت في المناطق التي تعيش فيها، تُخيِّرها بين الرحيل أو القتل في موعد أقصاه 72 ساعة، ما اضطرها في النهاية إلى النزوح إلى المخيمات القريبة. فيما بدا أن عمليات التهجير تكون أحياناً ذات بعد طائفي بهدف إحداث تغيير ديمغرافي في بعض المناطق وإخلائها من سكانها من "أتباع المذهب السني"، لا سيما في منطقة "جرف الصخر" جنوب العاصمة بغداد ومحافظة ديالى.

وقال المرصد إن الحكومة العراقية اختارت قضاء عامرية الصمود في مدينة الأنبار موقعًا لمعظم المخيمات في المنطقة، وتمنع القوات العراقية العائلات المحتجزة في هذه المخيمات ممن كان أحد أفرادها ضمن تنظيم "داعش" من مغادرة المخيم إلى مناطق أخرى، بحجة أن تحركاتهم خارج المخيم تعرضهم لخطر الثأر من العشائر الموجودة في هذه المناطق، وأن منعهم من الحركة يهدف للحفاظ على أرواحهم، فيما يجري احتجازهم في مخيمات تفتقر للحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية، وتجري معاملتهم كمجرمين، بما في ذلك الأطفال منهم، في مخالفة سافرة للمعايير الأساسية الدولية التي تؤكد على أن الأشخاص المتورطين بالجرائم هم وحدهم من يتعرضون للعقاب.

وأضاف المرصد الحقوقي الدولي أن الهجوم الأخير الذي قامت به القوات العراقية ضد تنظيم داعش في الموصل وأسفر عن دحر التنظيم من المدينة، لم يخل من الانتهاكات بحق عائلات أفراد "داعش"، حيث منعت القوات العراقية هذه العائلات من الحركة، واحتجزتهم في ظروف مقيدة. وذكر بعضهم أن الحكومة لم تسمح لهم بامتلاك هواتف خلوية للتواصل، وحرمتهم من زيارة ذويهم، كما لا تتم محاكمتهم أمام النظام القضائي العراقي، حيث أنهم غير مدانين بأي جريمة تذكر، وذنبهم الوحيد أنهم عائلات لها صلة قرابة بأفراد تنتمي إلى "داعش". 

وذكر الأورومتوسطي أن مخيم السلامية في مدينة الموصل استقبل لوحده 1800 أسرة، ينتمي معظم أفرادها لداعش، ويفتقر المخيم بشكل شبه كامل للماء والكهرباء والخدمات الأساسية. ونوه المرصد إلى أن شهر أيلول (سبتمبر) الماضي شهد كذلك قيام القوات العراقية بإجلاء حوالي 358 عائلة من عائلات داعش من مخيم "حمام العليل" إلى معسكر خاص في منطقة "تلكيف". 

    الظروف التي تُحتجز فيها العائلات هي أبعد ما تكون عن إعادة التأهيل، وهي أقرب إلى أن تمثل تفريخاً للكره الذي يدفع للانتقام من خلال الظروف التي يعيشها الأطفال والنساء ظلماً في تلك المخيمات التي تمثل مراكز احتجاز لهم دون جرم اقترفوه   

إحسان عادل، المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي

 

وفي هذا السياق قال المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي إحسان عادل: "إن الظروف التي تُحتجز فيها عائلات أفراد داعش هي أبعد ما تكون عن إعادة التأهيل، وهي أقرب إلى أن تمثل "تفريخاً للكره الذي يدفع للانتقام" من خلال الظروف التي يعيشها الأطفال والنساء ظلماً في تلك المخيمات التي تمثل مراكز احتجاز لهم دون جرم اقترفوه". وأضاف عادل: "ممارسات الحكومة العراقية في هذا الصدد تمثل مخالفة صريحة للقانون الوطني العراقي في المقام الأول فضلاً عن القانون الدولي، حيث أن العقوبة شخصية ويجب أن لا تطال إلا من اقترف الجرم".

وطالب الأورومتوسطي السلطات العراقية بضرورة العمل على حماية عائلات أفراد داعش وأن تكون العقوبة شخصية، وإبلاغ العائلات عن أماكن وجود أبنائها المحتجزين، والسماح لهذه العائلات بحرية الحركة حيث يجدون الأمان وممارسة كافة حقوقهم التي كفلتها لهم المواثيق الدولية، وتركيز العمل بشكل فعلي على "إعادة التأهيل" للأطفال الذين ربما تأثروا بأفكار ذويهم ممن كان لهم انتماء ل"داعش"، بدل احتجازهم في ظروف غير إنسانية بلا سبب يُذكَر.