جنيف-القاهرة

حذرالمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من تنامي بيئة معادية لحرية الصحافة والإعلام في مصر، تصاعدت خلال الأسبوعين الأخيريْن بصورة باتت تهدد سلامة وأمن الصحفيين.

وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان له مساء الثلاثاء 27 أغسطس، إن السلطات في مصر صعّدت من إجراءاتها التعسفية ضد الصحفيين، ووقفت عاجزة عن توفير بيئة ضامنة لسلامتهم وسط أجواء من الاستقطاب والتحريض الأهوج في الشارع، موضحاً أنّ طواقمه العاملة في البلاد وثقت 57 انتهاكاً ضد صحفيين محليين وأجانب منذ الرابع عشر من الشهر الجاري وحتى اليوم، تعدّدت ما بين القتل، الإصابة، مصادرة المعدّات، الاعتقال، والاعتداء الجسدي.

وندّد الأورومتوسطي بإقدام قوة من الشرطة والمخابرات أول أمس على اعتقال أربعة من النشطاء بينهم ثلاثة صحافيون عاملون في "رصد" وفضائية أمجاد التي تمّ قطع بثها تعسفياً الشهر الماضي، هم: عبدالله الفخراني، سامحي مصطفى ومحمد العادلي إضافة إلى الناشط محمد سلطان، حيث جرى نقلهم إلى سجن طرة أمس على ذمة الحبس الاحتياطي. واعتبر أنّ عملية الاعتقال تثير الشكوك بكونها حلقة في سلسلة استهداف حرية الصحافة، لأنها تأتي بالتزامن مع حملة متعددة الأوجه لاستئصال الأصوات التي تجهر بمعارضة السلطة القائمة في البلاد.

وأضاف بأنّه في ظل التعامل بقبضة من حديد مع الإعلام منذ تولّي الجيش زمام السلطة في مصر أوائل يوليو الماضي، واعتقال العشرات من المعارضين تحت اتهامات صورية في ظل غياب حقيقيّ لدولة القانون، فإنّ الشكوك تتعاظم حول قيام السلطات بتلفيق الاتهامات ضد الصحفيين المحتجزين. كما أنّ الحظر المفروض على الصحفيين من الالتقاء بذويهم أو أي محامين، يزيد من مخاوف تعرضهم لسوء المعاملة الشديد الذي قد يصل لانتزاع اعترافات تحت التعذيب. ونوّه المرصد إلى أنّ 11 صحفياً ما زالوا قيد الاعتقال منذ الفترة ما بين 14 أغسطس وحتى الآن، فيما مكان احتجاز اثنيْن منهم مجهول، وكانت السلطات قد اعتقلت ستة صحفيين آخرين في ذات الفترة قبل أن تطلق سراحهم لاحقاً.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ ستة صحافيين كانوا قد لقوا مصرعهم خلال الأسبوعين الأخيرين، أربعة منهم قتلوا برصاص قوى أمنية على خلفية فضّ اعتصاميّ رابعة والنهضة هم: مايك دين- سكاي نيوز، حبيبة عبدالعزيز-جلف نيوز، مصعب الشامي-"رصد"، أحمد عبد الجواد-صحيفة الأخبار، بينما لقي المخرج بقناة النيل الإخبارية محمد سمير حتفه خلال تغطيته مظاهرة مؤيدة للرئيس المعزول في شارع رمسيس، إلى جانب استهداف قوة من الجيش للصحفي تامر عبدالرؤوف أمام مقرّ محافظة البحيرة.

ونوّه إلى أنّ 34 اعتداءً آخر ضد عاملين في حقل الصحافة تمّ توثيقه في الفترة ذاتها، حيث أصيب 8  صحافيين بالرصاص الحيّ أو الخرطوش، وتعرّض 19  صحافياً لاعتداء بالضرب ومصادرة المعدّات والموادّ المصوَّرة، كما تمّ تسجيل 7 وقائع محاصرة أو اختطاف ميداني أو تهديد بالسلاح لصحافيين  من أجل منعهم من التغطية الصحفية أو إجبارهم على تقديم تغطية منحازة. 17 اعتداءً من هذه الاعتدءات يُشتبه بمسؤولية قوى الجيش والشرطة عن تنفيذها، بينما تشير الدلائل إلى تورط مدنيين في حماية القوى الأمنية بارتكاب 5 اعتداءات، و 9 اعتداءات أخرى من قبل متظاهرين مؤيدين للرئيس المعزول، وبقي الطرف المعتدي مجهولاً في ثلاث حالات أخرى.

واعتبر الأورومتوسطي أنّ الانتهاكات المتتابعة بحق الصحفيين، فضلاً عن الاعتداء على المؤسسات الإعلامية أو إغلاقها أو مصادرة معدّات صحفية، يعد مخالفاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تعتبر مصر طرفاً فيه، إضافة إلى مخالفته للإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً. مشدّداً على حق الصحفيين في استقاء المعلومات ونشرها بكل السبل والوسائل المتاحة، وأن توفر لهم الدولة الحماية من أجل ممارسة هذا الحق. حيث نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وهو أيضاً ما نصت عليه المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي قررت أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل ذلك حقه في التماس مختلف ضروب المعلومات ونقلها دونما اعتبار للحدود.

وأضاف المرصد أن المادة 8 من (الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً) نصت على حق كل شخص في تقديم انتقادات للهيئات الحكومية وتوجيه الانتباه إلى أي جانب من جوانب عملها الذي قد يعرقل تعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة. وأوصت المادة (12) من الإعلان الدول بكفالة حماية الأشخاص من أي عنف أو تهديد أو تمييز أو ضغط ينجم عن ممارستهم للحق في التعبير عن الرأي وتلقي المعلومات ونقلها.

وذكر الأورومتوسطي أنه ينظر بقلق إلى استخدام السلطات المصرية للقانون أداةً للتضييق على الصحفيين ومحاكمتهم بدون وجه حق، وهو ما يظهر من خلال طبيعة التهم التي تُوَجَّه إلى الصحفيين الذين يتم اعتقالهم، والتي توحي بالخلفية السياسية للاعتقال، وتشكّك بمدى جدّية المحكمة ونزاهتها. وهو ما عدّه مخالفاً للمادتين 10 و11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واللتين نصّتا على أن يكون لكل إنسان الحق في أن تُنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً، وأن يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه. والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي نصت على حق كل فرد في أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية، وأن يعتبر بريئاً إلى أن يثبت عليه الجرم قانوناً، وأن يعطى من الوقت والتسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه والاتصال بمحام يختاره. وهو ما لاحظ المرصد أن غالبية المعتقلين من الصحفيين قد حُرموا منه بالمطلق.

وفي ضوء ذلك، أدان المرصد حالة الترهيب والاعتداءات والاعتقالات السياسية ومصادرة المعدّات، فضلاً عن الاغتيالات التي يواجهها الصحفيون في مصر، والتي تنتهك حقوقهم الأساسية بشكل فاضح. وقال إن الدولة المصرية مطالبة بتأمين الحماية الكافية للصحفيين بما يمكنهم من أداء واجباتهم، وأن تقوم بالقبض على من يعتدي عليهم وتقديمه للمحاكمة، وأن تؤمّن لمن يتم الاعتداء عليه منهم التعويض العادل. ودعا المرصد السلطات المصرية إلى توفير المعلومات الكاملة عن الصحفيين المحتجزين لديها، وأسباب احتجازهم، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة لهم، بما في ذلك السماح لمحاميهم وأهاليهم بزيارتهم، والإفراج العاجل عن من لا يثبت بحقه القيام بأي مخالفة للقانون. كما ذكر المرصد أنه بصدد التواصل مع لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، ومنظمة مراسلون بلا حدود، والاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، بهدف العمل المشترك لوقف الانتهاكات المتتالية لحقوق الصحفيين في الأراضي المصرية، والتعاون لأجل الوقف العاجل لهذه الانتهاكات وتأمين الحماية اللازمة للصحفيين هناك.