كان يعيش الناس في كل مكان في وقتٍ شديد التعقيد والاضطراب وعدم اليقين، حتى قبل جائحة كورونا، ولذلك دائمًا ما يكون المستقبل غامضًا فيما يتعلق بالتنبؤات بخلاف التوقعات قصيرة المدى للاتجاهات الحالية، التي غالبًا ما تتحطم التوقعات السائدة على وقع أحداثها، أما بالنسبة للشرق الأوسط، فحتى أكثر التوقعات تواضعًا غالبًا ما يبددها انحرافٌ مفاجئ للأحداث. وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني/الإسرائيلي فتبدو الصورة أكثر تعقيدًا، ولكن بغض النظر عن إخلاء المسؤولية هذا، هناك بعض التوقعات حول عام 2022 تستحق مشاركتها والتعبير عنها.
من المرجح أن يشهد عام 2022 جنازة طال انتظارها تعلن أخيرًا وفاة دبلوماسية أوسلو واعتمادها على المفاوضات المباشرة بين الجانبين والتي من المفترض أن تنتهي بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
بادئ ذي بدء، سنشهد وعيًا متزايدًا بأن الدبلوماسية التقليدية لن تحقق الاستقرار-ناهيك عن السلام والعدالة- لهذا الصراع الذي استمر لأكثر من قرن، ومن المرجح أن يشهد عام 2022 جنازة طال انتظارها تعلن أخيرًا وفاة دبلوماسية أوسلو واعتمادها على المفاوضات المباشرة بين الجانبين والتي من المفترض أن تنتهي بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وكانت الولايات المتحدة طوال العملية تلعب دور الوسيط المحايد، وأحيانًا تم وصفها بشكل شبه ساخر على أنها "الوسيط النزيه"، وبينما يبدو هذا معقولًا في مسلسلات نيتفلكس التلفزيونية، هو في العالم الحقيقي على عكس ذلك، حيث كانت أوسلو منذ البداية بمثابة فخ للفلسطينيين، وفرصة توسعية للإسرائيليين، واستمرت واشنطن من خلالها بممارسة دورها المسرحي المتقمص لدور من يحمل حسن النية للجميع وصانع السلام وليس مديرًا جيوسياسيًا.
بات واضحًا الآن للقاصي والداني أن القادة السياسيين في إسرائيل لا يريدون تسوية سياسية من النوع المُتضمن في عملية أوسلو بالرغم من أن بنودها تميل بشدة لصالح إسرائيل، ولطالما تجاهلت إسرائيل الضغوط الدولية للالتزام بالقانون الدولي أو التظاهر بدعم أي عملية سلام توجهها واشنطن، فمن الواضح أن إسرائيل شعرت منذ عدة سنوات بالثقة الكافية للتوقف عن التظاهر بأنها تدعم حلاً دبلوماسياً، خصوصًا في ظل أنه لا يُنظر إلى أي اندفاع متوقع للمقاومة الفلسطينية المسلحة على أنها تشكل تهديدًا كبيرًا، خاصة وأن الأنظمة العربية المجاورة أصبحت مشتتة أو منفصلة عن الصراع، حيث أبدت بعض الحكومات استعدادًا لقبول العلاقات الدبلوماسية الطبيعية والانضمام علانية إلى إسرائيل في مواجهة إيران.
هذه الصورة للدبلوماسية مسدودة الأفق عندما يتعلق الأمر بفلسطين يعززها الموقف الأمريكي بعد عهد ترمب. فمن ناحية، أبدت إدارة بايدن أنها لن تتحدى خطوات ترمب الفارقة، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتأكيد السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وتأييد "اتفاقيات التطبيع" وحتى الترويج بنشاط لتوسعها، الذي توج بـتطمينات لإسرائيل بأنها ستتعاون إقليمياً خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإيران. في الوقت نفسه، يسعى بايدن إلى الظهور بمظهر المعتدل، وهو ما يفسر تجديد واشنطن للموافقة العلنية على دعم حل الدولتين وتوبيخ إسرائيل عندما تستخدم العنف المفرط ضد المدنيين الفلسطينيين أو التحرك لتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. أفترض أنه حتى بايدن يدرك أن حل الدولتين كان لفترة طويلة بمثابة الحل الحي-الميت، إذ يسمح لإسرائيل أن تدع الصراع مع الفلسطينيين معلقًا إلى أجل غير مسمى مع التمسك شفهيًا بالالتزام الذي يتضمن الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وبهذا المعنى، فإن أفضل التخمينات هو أنه عندما يتعلق الأمر بالخطوط العريضة، فإن بايدن سوف يتماشى مع موقف ترمب، بينما يتبنى موقفًا عامًا أقل تشددًا من سلفه في البيت الأبيض. ونظرًا لما تقف عليه الأمور الآن، فإن رئاسة بايدن تبدو ضعيفة وغير قادرة على دفع أجندتها المحلية، الأمر الذي خيب آمال الرأي العام الأمريكي، وأدّى إلى انخفاض معدلات تأييد بايدن. ففي ظل هذه الظروف، فإن آخر ما يريده بايدن في عام 2022 هو حتى القطيعة الأكثر اعتدالًا مع إسرائيل من النوع الذي حدث في نهاية رئاسة أوباما، فالخوف من الغضب الإسرائيلي لا يعرف حدودًا عندما يتعلق الأمر بالسياسيين الأمريكيين الرئيسيين.
على المستوى الدولي، ليس من المرجح أن يتم ممارسة ضغط إضافي ذي مغزى على إسرائيل للسعي إلى سلام دائم أو حتى للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسيستمر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في إصدار تقارير تنتقد سلوك إسرائيل وستستمر إسرائيل في تجاهل حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، ولن تواجه عواقب وخيمة جراء ذلك، ومع ذلك ستشكو بشكل هستيري من مهاجمة إسرائيل في الأمم المتحدة. وستصدر الجمعية العامة المزيد من القرارات في عام 2022 تدين سياسات إسرائيل، وتدعو إلى اللوم وربما حظر الأسلحة، لكن لن يحدث شيء سوى أن الأمم المتحدة ستواجه مزيدًا من الاتهامات تضمن أن اليهود أصبحوا مرة أخرى ضحايا معاداة السامية. الأمل الوحيد الدولي هو أن تواصل المحكمة الجنائية الدولية العام المقبل تحقيقاتها في الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقانون الجنائي الدولي منذ عام 2014، لكن هذا لا يمكن الاعتماد عليه كثيرًا، فلدى المحكمة الجنائية الدولية مدع عام جديد في المملكة المتحدة يُعتقد أنه يتقبل المعارضة الأمريكية/الإسرائيلية، وقد يكون عرضة للجهود الجيوسياسية القوية لحث المحكمة الجنائية الدولية على إسقاط القضية، ولكنه استغرق بالتأكيد وقتًا طويلًا للإعلان عن خطط للمضي قدمًا في عملية التحقيق. في رأيي، هناك فرصة أقل من 50%، حتى إذا استأنف التحقيق، الوصول إلى مرحلة صك لائحة الاتهام على الرغم من الأدلة الدامغة على الإجرام الإسرائيلي. ومع ذلك، إذا قررت المحكمة الجنائية الدولية أن تدع الجمل بما حمل وتتخلى عن القضية كليًا، فمن المرجح أن تثير غضبًا واسع النطاق، وتشجع المقاومة الفلسطينية والتضامن العالمي.
من وجهة نظري، فإن أبرز التطورات في عام 2022 سوف تنبع من آثار التحرر من الوهم المتعلق بأي أمل في أن العمل البناء يمكن أن يترتب من دبلوماسية السلام أو ضغوط الأمم المتحدة الجديدة. ستستمر المقاومة الفلسطينية في إرسال إشارات إلى العالم مفادها أن النضال مستمر بغض النظر عن مدى جدية إسرائيل في إقناع الرأي العام بأنها انتصرت في النضال وأن أفضل ما يمكن أن يأمل فيه الفلسطينيون هو منافع اقتصادية يجب منحها بعد استسلام سياسي فلسطيني على شكل القبول بإسرائيل كدولة يهودية مع التعهد بعدم معارضة الطموحات الصهيونية لغزو ما تبقى من "أرض المعياد". بعبارة أخرى، من المرجح أن يعلن العام المقبل للعالم أن إسرائيل تختار حل الدولة الواحدة أحادية الجانب على أساس التفوق اليهودي مع الرفض الفلسطيني لشرب الكولايد السام [تعبير يستخدم للتعبير عن الإقدام على فعل شيء بسبب الضغوط الخارجية ولكنه محكوم عليه بالفشل.
بما أن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية ذات أبعاد عنصرية، يجب فهم هذه النضالات على أنها الأشد شراسة والأكثر وضوحًا وأكثر صعوبة في الإنهاء من تلك الحروب العادية ضد الاستعمار.
في ضوء ذلك، فإن التطور الأكثر تشجيعًا للفلسطينيين في العام المقبل هو المجال الرمزي للسياسة، وهو ما أسميته سابقًا أبعاد "حرب الشرعية" للصراع السياسي، وهنا يربح الفلسطينيون حتى في أمريكا، وخاصة بين الشباب اليهود، إلى جانب بعض المؤشرات على أن الإجماع بين الحزبين في الكونجرس الأمريكي ينقسم، على الأقل عند الأطراف.
علينا جميعًا أن نستمر في تذكير أنفسنا بأربع سمات بارزة للسياق الحالي: (1) الفلسطينيون يخوضون حربًا ضد الاستعمار ضد حكومة الفصل العنصري في إسرائيل. (2) تم كسب الحروب الكبرى ضد الاستعمار، ليس من قبل الجانب الأقوى عسكريا، ولكن من قبل الفائز في "حرب الشرعية" كما رأت الولايات المتحدة بعينها في فيتنام، ومؤخرا في العراق وأفغانستان. (3) بما أن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية ذات أبعاد عنصرية، يجب فهم هذه النضالات على أنها الأشد شراسة والأكثر وضوحًا وأكثر صعوبة في الإنهاء من تلك الحروب العادية ضد الاستعمار؛ (4) سينظر الجمهور ووسائل الإعلام العالمية المطلعة إلى الفلسطينيين على أنهم منتصرون في حرب الشرعية، وسيدعم هذا الانطباع تقصي الحقائق المستمر في الأمم المتحدة وربما مزيد من المشاركة من جانب المحكمة الجنائية الدولية.
من المرجح ألا يشهد عام 2022 أي تحول جوهري يؤثر على آفاق الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم الأساسية، لكن التحول المتوقع من استثمار آمال كاذبة في الدبلوماسية الدولية إلى نشاط المجتمع المدني سيصبح مفهومًا بشكل أفضل، مما يؤدي إلى ظهور أنماط أقوى من جهود التضامن غير العنيفة. أصبحت المقارنات مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا موضع تقدير على نطاق واسع، وهذا يجعل انحياز جنوب أفريقيا مع النضال الفلسطيني من خلال دعمها لحركة المقاطعة والدعوة إلى حظر الأسلحة والمبادرات الأخرى له أهمية رمزية كبيرة خلال العام المقبل فيما يتعلق بحرب الشرعية بالغ الأهمية. إن محاولة إسرائيل قبل بضعة أشهر تدمير حيوية وقاعدة تمويل المجتمع المدني الفلسطيني من خلال تصنيف ست منظمات غير حكومية رائدة في مجال حقوق الإنسان على أنها كيانات "إرهابية" يجب أن يُنظر إليها على أنها ليست مجرد انتهاك صارخ لالتزاماتها كقوة احتلال بموجب اتفاقيات جنيف، ولكن الأهم من ذلك أنها علامة يائسة على الضعف في حرب الشرعية المستمرة.
هذا المقال مترجم عن اللغة الإنجليزية، اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي.