حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من تصاعد عمليات القتل خارج نطاق القانون التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، والتي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأيام والأشهر القليلة الماضية، حيث يسارع الجنود الإسرائيليون إلى إطلاق النار بدون وجود خطر حقيقي يتهدد الحياة وقتل الأشخاص رغم القدرة على اعتقالهم، داعياً دول العالم ومجلس حقوق الإنسان إلى الضغط على إسرائيل لوقف هذا الاستهتار بالأرواح.
وقال المرصد الأورومتوسطي وهو منظمة أوروبية مقرها الرئيس جنيف في بيان صحفي صباح اليوم، إن تسجيلات الفيديو لإحدى كاميرات الحراسة في محطة القطارات المركزية في مدينة "العفّولة"، والتي نشرتها المواقع الإلكترونية المختلفة، تظهر بشكل واضح مدى الاستهتار الذي مارسته قوات الشرطة الإسرائيلية أمس الجمعة 9 أكتوبر 2015 حين أطلقت النار على سيدة فلسطينية تحمل الهوية الإسرائيلية، بزعم محاولتها طعن أحد الحراس في المحطة، فيما يظهر من خلال الفيديو أن الفتاة لم تقم بأي اعتداء، وحتى على افتراض أن الاعتداء جرى في وقت سابق أو في موضع آخر غير الذي يظهره الفيديو، فإن الواضح أن قوات الشرطة كانت تستطيع اعتقال الفتاة، وأنها لم تكن تشكل خطراً حقيقياً لحظة إطلاق أربع رصاصات على جسدها.
شهود عيان على الحادثة أكدوا للمرصد الأورومتوسطي أن الفتاة، والتي تدعى إسراء عابد (29 عاماً)، كانت خائفة جداً وأصابها الذعر حين وجدت نفسها بين مجموعة من الجنود الذين يصوبون بنادقهم اتجاهها وكانوا يصرخون عليها بصوت عال طالبين منها نزع حجاب كانت تلبسه على رأسها وإلقاء حقيبتها، فيما رفضت هي ذلك ورفعت يديها للأعلى وأخذت ترجوهم عدم إطلاق النار.
وفي السياق ذاته، أقدم شرطي إسرائيلي على قتل الشاب الفلسطيني "ثائر أبو غزالة"، من القدس، بعد قيام الشاب بطعن مجنَّدة إسرائيلية بآلة حادة في رقبتها، ثم طعن ثلاثة آخرين، كانت إصابتهم جميعاً طفيفة. قام الشاب "أبو غزالة" بعد ذلك بالهروب من المكان، غير أن ضابطاً إسرائيلياً لاحظه فأطلق عليه النار ليشل حركته.
الشرطة الإسرائيلية أعلنت أن مقتل الشاب جاء نتيجة هذه المطاردة، غير أن صوراً نُشرت للشاب وهو ملقاً على الأرض بعد قتله، أظهرت أن الإصابة التي تلقاها كانت مباشرة في الرأس، وظهر موضع الرصاصة على الأرض بجانب رأسه، ما يعطي مؤشراً على أن رأسه كان على الأرض حين أطلقت الرصاصة عليه، أي أن قتله كان بشكل عمد بعد أن تم شل حركته.
ولفت الأورومتوسطي إلى أنه وقبل 5 أيام، في يوم الأحد الموافق 4/10/2015، قتلت قوة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي الشاب الفلسطيني "فادي سمير مصطفى علون" (19 عاماً)، وهو من سكان قرية العيسوية قرب القدس، بزعم أنه قام بطعن طفل إسرائيلي يبلغ من العمر (15) عاما ثم لاذ بالفرار. شهود عيان ذكروا للمرصد أن مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين كانوا لاحقوا المواطن الفلسطيني أثناء سيره في منطقة "المصرارة" بالقدس، حيث كان المستوطنون قد تجمهروا حينها في شوارع البلدة القديمة بالقدس احتجاجاً على قيام شاب فلسطيني بقتل مستوطنيْن إسرائيلييْن صباح ذلك اليوم، ويبدو أنهم عندما رأوا الشاب "علون" أرادوا الاعتداء عليه، فهرب منهم باتجاه شارع (حاييم بارليف – شارع رقم 1)، وعندها وصلت سيارة شرطة إسرائيلية فقام أحد أفرادها بإطلاق سبعة أعيرة نارية باتجاهه ما أدى إلى مقتله على الفور. وأظهرت تسجيلات فيديو نشرتها مواقع إلكترونية إسرائيلية قيام المستوطنين بملاحقة "علون" والاعتداء عليه بالضرب في منطقة "المصرارة"، ثم ضربه بعد مقتله وسحله على الأرض، ثم قام أفراد الشرطة بأخذ جثمانه.
فيما قُتلت الفتاة "هديل الهشلمون" (18عاماً) من مدينة "الخليل"، على أحد الحواجز الإسرائيلية (يعرف باسم حاجز 56 ويحظر على الفلسطينيين المرور من تلك المنطقة باستثناء أولئك الذين يسكنون منهم فيها). قالت السلطات الإسرائيلية حينها أن قتل الفتاة "الهشلمون" جاء بعد أن "أطلقت أجهزة الفحص في الحاجز صافرة الإنذار، فطلب منها الجنود التوقف لكنها واصلت طريقها فأطلقوا الرصاص نحو الأرض قريباً منها" مضيفة بأن "الفتاة رفعت سكيناً كان بحوزتها فقام الجنود بإطلاق الرصاص عليها مرة ثانية"، وهو ما أدى إلى وفاتها جراء إصابتها في الجزء العلوي من جسمها وفي ساقيها، وفق ما أعلن الناطق بلسان المستشفى الإسرائيلي "شعاري تصيدق" الذي نقلت له بعد إصابتها.
غير أن صوراً قام متطوع أجنبي صدف وجوده في المكان بالتقاطها، وشهادة بعض من كانوا على الحاجز، ومنهم الشاهد "فوّاز أبو عيشة"، والذي يقطن حي "تل رميضة" القريب من المكان، أكدت أن الفتاة لم تكن تشكل خطراً على الجنود حين قاموا بقتلها، فقد كان أحد الجنود، بسبب ريبته فيها وعدم استجابتها لمطلب الجنود برمي حقيبة كانت تحملها، قد أطلق رصاصة على ساقها اليسرى، فسقطت على الأرض، وعندها، سقطت سكين كانت تخفيها بيدها.
غير أن الجندي لم يكتفِ بذلك، رغم أنه كان بالإمكان اعتقالها بعد سقوطها أرضاً حيث لم تتحرك بعد ذلك، لكن الجندي قام بإطلاق رصاصة أخرى على ساقها اليمنى، ثم اقترب منها وعلى بعد متر واحد منها قام بإطلاق عدة رصاصات على أنحاء مختلفة من جسمها وبشكل خاص على صدرها وبطنها، ثم توقف لبرهة قبل أن يعود ويطلق رصاصة أخرى على صدرها.
ورغم وجود كاميرا تصوير تتبع للجيش الإسرائيلي على الحاجز، إلا أن السلطات الإسرائيلية رفضت نشر ما وثقته كاميرا الحراسة، وهو ما يعطي مؤشراً على طبيعة الجريمة التي ارتكبت وأن الفتاة لم تكن تشكل خطراً حين تم اعتقالها.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أن هذه الأفعال تمثل مخالفة لـ "مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة" والتي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في العام (1989)، والتي حظرت عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة، ودعت إلى تجريم من يقوم بها ومعاقبته، مع عدم جواز التذرع بالحالات الاستثنائية.
وتنص هذه المبادئ على أن استخدام الأسلحة النارية بحق الأشخاص لا يجوز إلا إذا كان هناك تهديد وشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة؛ أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة، مع عدم وجود بدائل لإنهاء هذا الخطر المحدق.
كما نصت المادة (2) من "مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (1979) على واجب الموظفين، كأفراد الجيش والشرطة، بعدم استعمال الأسلحة النارية إلا كتدبير أقصى "وينبغي بذل كل جهد ممكن لتلافي استعمال الأسلحة النارية"، وقضت بأنه "لا ينبغي استعمال الأسلحة النارية إلا عندما يبدى الشخص المشتبه في ارتكابه جرما مقاومة مسلحة أو يعرض حياة الآخرين للخطر بطريقة أخرى وتكون التدابير الأقل تطرفا غير كافية لكبح المشتبه به أو لإلقاء القبض عليه".
وأشار الأورومتوسطي إلى أن أفراد الجيش الإسرائيلي خالفوا هذه التعليمات ليس فقط في الحوادث المذكورة، ففي 17/8/2015، قتل جنود إسرائيليون من حرس الحدود الشاب "محمد بسام عمشة" (25 عاما) من سكان كفر راعي قضاء جنين، أثناء مروره على حاجز "زعترة" الإسرائيلي، شمال نابلس، بزعم أنه كان يحمل سكّيناً وحاول طعن أحد الجنود على الحاجز. غير أن شهود عيان كانوا لحظة قتل الشاب "عمشة"، أكدوا أنهم لم يروا معه أي سكين. وفي اليوم التالي لمقتله، قامت قوة إسرائيلية باقتحام بيته، وادعى ضابط المخابرات المسؤول عن الوحدة التي اقتحمت المنزل أن بحوزته صورًا تبين "محمد" وهو يحمل السكين، وحين سأله والده أن يظهر له الصورة، رفض الضابط ذلك. وكما في حالة "الهشلمون"، رفضت السلطات الإسرائيلية نشر الفيديوهات التي وثقتها كاميرات الحراسة المنتشرة على الحاجز.
وفي يوم الخميس 23/7/2015، قتل أفراد من الجيش الإسرائيلي "فلاح حمدي زامل أبو مارية" (53 عاما) من بلدة "بيت أمر" بمحافظة الخليل، بعد أن أطلقوا عليه الرصاص الحي بشكل مباشر، وذلك بعد أن قاموا باقتحام منزله لتنفيذ عملية اعتقال لابنه، حيث أطلقوا النار على ابنه أولاً، مما أخرج الأب عن طوره، فألقى "إناءً فخارياً" على الجنود من شرفة منزله، فرد الجنود بإطلاق ثلاث رصاصات على صدره ما أدى إلى مقتله، فيما ادعت السلطات الإسرائيلية أن "عائلة المطلوب رفضت تنفيذ أمر الاعتقال واعتدت على الجنود حيث ردّوا بإطلاق الرصاص تجاه الجزء السفلي من جسمه وتمّ نقله للعلاج، وبعدها تركت القوّة المنزل".
وبحسب "حيدر أبو مارية" وهو نجل "فلاح"، فإن الجنود كانوا قد اعتدوا على والده بالضرب بمجرد وصولهم إلى البيت لاعتقال شقيقه، ثم فتحوا النار باتجاه شقيقه "محمد" وأصابوه برصاصتين، حيث وُصفت حالته بالخطيرة، ففقد والده أعصابه وبدأ يشتم بالجنود ويصرخ عليهم ويطلب منهم الخروج من المنزل، فقاموا بإطلاق الرصاص على صدره، ثم أعاقوا وصول سيارات الإسعاف، ما أدى إلى مقلته.
وبين المرصد الحقوقي الأوروبي في بيانه أن الحوادث السابقة، تحتاح إلى تحقيق جدي، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وبموجب المبدأ رقم (5) من "مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة"، والذي قضى بضرورة تقديم أفراد الشرطة المساعدة والمعونة الطبية إلى أي شخص مصاب أو متضرر في أقرب وقت بعد استخدام القوة. وضرورة إجراء تحقيق شامل عاجل نزيه عند كل اشتباه بحالة إعدام خارج نطاق القانون.
وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، السلطات الإسرائيلية، بإجراء تحقيق شفاف وحقيقي في الأحداث المذكورة في هذا البيان، وفي الحوادث الأخرى المشابهة، وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة.
وقال الأورومتوسطي "إن تقاعس الجيش الإسرائيلي عن إجراء هكذا تحقيقات والوصول لنتائج حقيقية ومحاسبة الفاعلين، يعطي الضوء الأخضر لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والاستهتار بحياتهم".
ودعا الأورومتوسطي الدول الأطراف في اتفاقية جنيف، إلى القيام بتحرك فاعل، للضغط على السلطات الإسرائيلية، وكفالة احترامها لنصوص الاتفاقية، ولا سيما الحق في الحياة، والذي يعد خرقه بشكل تعسفي "انتهاكاً خطيراً للاتفاقية"، و"جريمة حرب"، بموجب ميثاق روما الناظم للمحكمة الجنائية الدولية.